الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الشرح: قوله (باب مراجعة الحائض) ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك، وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل الطلاق. الحديث: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَ مِنْ قُبُلِ عِدَّتِهَا قُلْتُ فَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ الشرح: حديث ابن عمر في ذلك، ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل الطلاق. *3* وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا أَرَى أَنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الطِّيبَ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ الشرح: قوله (باب تحد) بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي، ويجوز بفتحه ثم ضمة من الثلاثي، وقد تقدم بيان ذلك في " باب إحداد المرأة على غير زوجها " من كتاب الجنائز، قال أهل اللغة: أصل الإحداد المنع، ومنه سمي البواب إحداد لمنعه الداخل، وسميت العقوبة حدا لأنها تردع عن المعصية. وقال ابن درستويه: معنى الإحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها والطمع فيها كما منع الحد المعصية. وقال الفراء: سمي الحديد حديدا للامتناع به أو لامتناعه على محاوله، ومنه تحديد النظر بمعنى امتناع تقلبه في الجهات، ويروى بالجيم حكاه الخطابي قال: يروى بالحاء والجيم، وبالحاء أشهر، والجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، فكأن المرأة انقطعت عن الزينة. وقال أبو حاتم: أنكر الأصمعي حدت ولم يعرف إلا أحدت. وقال الفراء كان القدماء يؤثرون أحدت والأخرى أكثر ما في كلام العرب. قوله (وقال الزهري لا أرى أن تقرب الصبية الطيب) أي إذا كانت ذات زوج فمات عنها وقوله (لأن عليها العدة) أظنه من تصرف المصنف، فإن أثر الزهري وصله ابن وهب في موطئه عن يونس عنه بدونها، وأصله عند عبد الرزاق عن معمر عنه باختصار. وفي التعليل إشارة إلى أن سبب إلحاق الصبية بالبالغ في الإحداد وجوب العدة على كل منهما اتفاقا، وبذلك احتج الشافعي أيضا، واحتج أيضا بأنه يحرم العقد عليها بل خطبتها في العدة، واحتج غيره بقوله في حديث أم سلمة في الباب " أفنكحلها " فإنه يشعر بأنها كانت صغيرة، إذ لو كانت كبيرة لقالت أفتكتحل هي؟ وفي الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون معنى قولها " أفنكحلها " أي أفنمكنها من الاكتحال. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا الشرح: قوله (عن زينب بنت أبي سلمة) أي ابن عبد الأسد. وهي بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وزعم ابن التين أنها لا رواية لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا قال، وقد أخرج لها مسلم حديثها " كان اسمي برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب " الحديث. وأخرج لها البخاري حديثا تقدم في أوائل السيرة النبوية. قوله (إنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة) تقدم منها الحديثان الأولان في كتاب الجنائز مع كثير من شرحهما، والكلام على قوله في الأول حين توفي أبوها وفي الثاني حين توفي أخوها وأنه سمي في بعض الموطآت عبد الله. وكذا هو في صحيح ابن حبان من طريق أبي مصعب، وأن المعروف أن عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيدا وزينب بنت أبي سلمة يومئذ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في تلك الحالة، وأنه يجوز أن يكون عبيد الله المصغر فإن دخول زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ الخبر إلى المدينة بوفاته كان وهي مميزة، وأن يكون أبا أحمد بن جحش فإن اسمه " عبد " بغير إضافة لأنه مات في خلافة عمر فيجوز أن يكون مات قبل زينب، لكن ورد ما يدل على أنه حضر دفنها. ويلزم على الأمرين أن يكون وقع في الاسم تغيير أو الميت كان أخا زينب بنت جحش من أنها أو من الرضاعة. قوله (لا يحل) استدل به على تحريم الإحداد على غير الزوج وهو واضح، وعلى وجوب الإحداد المدة المذكورة على الزوج واستشكل بأن الاستثناء وقع بعد النفي فيدل على الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب، وأجيب بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع، ورد بأن المنقول عن الحسن البصري أن الإحداد لا يجب أخرجه ابن أبي شيبة، ونقل الخلال بسنده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد، قال أحمد: ما كان بالعراق أشد تبحرا من هذين - يعني الحسن والشعبي - قال: وخفي ذلك عليهما ا هـ، ومخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج وإن كان فيها رد على من ادعى الإجماع. وفي أثر الشعبي تعقب على ابن المنذر حيث نفى الخلاف في المسألة إلا عن الحسن، وأيضا فحديث التي شكت عينها - وهو ثالث أحاديث الباب - دال على الوجوب، وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وأجيب أيضا بأن السياق يدل على الوجوب، فإن كل ما منع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل دالا بعينه على الوجوب كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك. قوله (لامرأة) تمسك بمفهومه الحنفية فقالوا: لا يجب الإحداد على الصغيرة، وذهب الجمهور إلى وجوب الإحداد عليها كما تجب العدة، وأجابوا عن التقييد بالمرأة أنه خرج مخرج الغالب، وعن كونها غير مكلفة بأن الولي هو المخاطب بمنعها مما تمنع منه المعتدة، ودخل في عموم قوله " امرأة " المدخول بها وغير المدخول بها حرة كانت أو أمة ولو كانت مبعضة أو مكاتبة أو أم ولد إذا مات عنها زوجها لا سيدها لتقييده بالزوج في الخبر خلافا للحنفية. قوله (تؤمن بالله واليوم الآخر) استدل به الحنفية بأن لا إحداد على الذمية للتقييد بالإيمان، وبه قال بعض المالكية وأبو ثور، وترجم عليه النسائي بذلك، وأجاب الجمهور بأنه ذكر تأكيدا للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له، كما يقال هذا طريق المسلمين وقد يسلكه غيرهم. وأيضا فالإحداد من حق الزوج، وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب، فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه، ولأنه حق للزوجية فأشبه النفقة والسكنى، ونقل السبكي في فتاويه عن بعضهم أن الذمية داخلة في قوله " تؤمن بالله واليوم الآخر " ورد على قائله وبين فساد شبهته فأجاد. وقال النووي: قيد بوصف الإيمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع، قال ابن دقيق العيد: والأول أولى. وفي رواية عند المالكية أن الذمية المتوفي عنها تعتد بالأقراء، قال ابن العربي: هو قول من قال لا إحداد عليها. قوله (على ميت) استدل به لمن قال لا إحداد على امرأة المفقود لأنه لم تتحقق وفاته خلافا للمالكية. قوله (إلا على زوج) أخذ من هذا الحصر أن لا يزاد على الثلاث في غير الزوج أبا كان أو غيره، وأما ما أخرجه أبو داود في " المراسيل " من رواية عمرو بن شعيب " أن النبي صلى الله عليه وسلم خص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام، وعلى من سواه ثلاثة أيام " فلو صح لكان خصوص الأب يخرج من هذا العموم، لكنه مرسل أو معضل، لأن جل رواية عمرو بن شعيب عن التابعين ولم يرو عن أحد من الصحابة إلا الشيء اليسير عن بعض صغار الصحابة. ووهم بعض الشراح فتعقب على أبي داود تخريجه في " المراسيل " فقال: عمرو بن شعيب ليس تابعيا فلا يخرج حديثه في المراسيل، وهذا التعقب مردود لما قلناه، ولاحتمال أن يكون أبو داود كان لا يخص المراسيل برواية التابعي كما هو منقول عن غيره أيضا، واستدل به للأصح عند الشافعية في أن لا إحداد على المطلقة، فأما الرجعية فلا إحداد عليها إجماعا، وإنما الاختلاف في البائن، فقال الجمهور لا إحداد. وقالت الحنفية وأبو عبيد وأبو ثور: عليها الإحداد قياسا على المتوفى عنها، وبه قال بعض الشافعية والمالكية، واحتج الأولون بأن الإحداد شرع لأن تركه من التطيب واللبس والتزين يدعو إلى الجماع فمنعت المرأة منه زجرا لها عن ذلك " فكان ذلك ظاهرا في حديث الميت لأنه يمنعه الموت عن منع المعتدة منه عن التزويج ولا تراعيه هي ولا تخاف منه، بخلاف المطلق الحي في ذلك، ومن ثم وجبت العدة على كل متوفى عنها وإن لم تكن مدخولا بها بخلاف المطلقة قبل الدخول فلا إحداد عليها اتفاقا " وبأن المطلقة البائن يمكنها العود إلى الزوج بعينه بعقد جديد، وتعقب بأن الملاعنة لا إحداد عليها، وأجيب بأن تركه لفقدان الزوج بعينه لا لفقدان الزوجية. واستدل به على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية، ولهذا تناولت أم حبيبة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما الطيب لتخرجا عن عهدة الإحداد، وصرحت كل منهما بأنها لم تتطيب لحاجة، إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها، لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر. قوله وعن الأوزاعي وبعض السلف تنقضي بمضي الليالي العشر بعد مضي الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر، واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها قبل في الكلام على حديث سبيعة بنت الحارث، وقد ورد في حديث قوي الإسناد أخرجه أحمد وصححه ابن حبان عن أسماء بنت عميس قالت " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال: لا تحدي بعد يومك " هذا لفظ أحمد. وفي رواية له ولابن حبان والطحاوي " لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت " قال شيخنا في " شرح الترمذي ": ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر ابن أبي طالب بالاتفاق وهي والدة أولاده عبد الله ومحمد وعون وغيرهم، قال: بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز، وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، وقد أجمعوا على خلافه، قال ويحتمل أن يقال: إن جعفرا قتل شهيدا والشهداء أحياء عند ربهم. قال: وهذا ضعيف لأنه لم يرد في حق غير جعفر من الشهداء ممن قطع بأنهم شهداء كما قطع لجعفر - كحمزة بن عبد المطلب عمه وكعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر - ا هـ كلام شيخنا ملخصا. وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ، وأن الإحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم أمرت بالإحداد أربعة أشهر وعشرا، ثم ساق أحاديث الباب وليس فيها ما يدل على ما ادعاه من النسخ. لكنه يكثر من ادعاء النسخ بالاحتمال فجرى على عادته، ويحتمل وراء ذلك أجوبة أخرى: أحدها أن يكون المراد بالإحداد المقيد بالثلاث قدرا زائدا على الإحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها على جعفر فنهاها عن ذلك بعد الثلاث. ثانيها أنها كانت حاملا فوضعت بعد ثلاث فانقضت العدة فنهاها بعدها عن الإحداد، ولا يمنع ذلك قوله في الرواية الأخرى " ثلاثا " لأنه يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على أن عدتها تنقضي عند الثلاث. ثالثها لعله كان أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد. رابعها أن البيهقي أعل الحديث بالانقطاع فقال: لم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء، وهذا تعليل مدفوع، فقد صححه أحمد لكنه قال: إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد، قلت: وهو مصير منه إلى أنه يعله بالشذوذ. وذكر الأثرم أن أحمد سئل عن حديث حنظلة عن سالم عن ابن عمر رفعه " لا إحداد فوق ثلاث " فقال: هذا منكر، والمعروف عن ابن عمر من رأيه ا هـ. وهذا يحتمل أن يكون لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه، بخلاف حديث أسماء والله أعلم. وأغرب ابن حبان فساق الحديث بلفظ " تسلمي " بالميم بدل الموحدة وفسره بأنه أمرها بالتسليم لأمر الله، ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث بل الحكمة فيه كون القلق يكون في ابتداء الأمر أشد فلذلك قيدها بالثلاث، هذا معنى كلامه، فصحف الكلمة وتكلف لتأويلها. وقد وقع في رواية البيهقي وغيره " فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتسلب ثلاثا " فتبين خطؤه. الحديث: قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ قَالَ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا الشرح: قوله (قالت زينب وسمعت أم سلمة) هو موصول بالإسناد المذكور وهو الحديث الثالث، ووقع في الموطأ " سمعت أمي أم سلمة " زاد عبد الرزاق عن مالك " بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم". قوله (جاءت امرأة) زاد النسائي من طريق الليث عن حميد بن نافع " من قريش " وسماها ابن وهب في موطئه، وأخرجه إسماعيل القاضي في أحكامه من طريق عاتكة بنت نعيم بن عبد الله أخرجه ابن وهب " عن أبي الأسود النوفلي عن القاسم بن محمد عن زينب عن أمها أم سلمة أن عاتكة بنت نعيم بن عبد الله أتت تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها وكانت تحت المغيرة المخزومي وهي تحد وتشتكي عينها " الحديث، وهكذا أخرجه الطبراني من رواية عمران بن هارون الرملي عن ابن لهيعة لكنه قال " بنت نعيم " ولم يسمها، وأخرجه ابن منده في " المعرفة " من طريق عثمان بن صالح " عن عبد الله بن عقبة عن محمد بن عبد الرحمن عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها عن عاتكة بنت نعيم أخت عبد الله بن نعيم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن ابنتها توفي زوجها " الحديث. وعبد الله بن عقبة هو ابن لهيعة نسبه لجده، ومحمد ابن عبد الرحمن هو أبو الأسود، فإن كان محفوظا فلابن لهيعة طريقان، ولم تسم البنت التي توفي زوجها ولم تنسب فيما وقفت عليه. وأما المغيرة المخزومي فلم أقف على اسم أبيه، وقد أغفله ابن منده في الصحابة وكذا أبو موسى في الذيل عليه وكذا ابن عبد البر، لكن استدركه ابن فتحون عليه. قوله (وقد اشتكت عينها) قال ابن دقيق العيد يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل وهي المرأة ورجح هذا، ووقع في بعض الروايات " عيناها " يعني وهو يرجح الضم وهذه الرواية في مسلم، وعلى الضم اقتصر النووي وهو الأرجح، والذي رجح الأول هو المنذري. قوله (أفتكحلها) بضم الحاء. قوله (لا، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا) في رواية شعبة عن حميد بن نافع فقال " لا تكتحل " قال النووي: فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا. وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره " اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار " ووجه الجمع أنها إذا لم يحتج إليه لا يحل، وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه، فإن فعلت مسحته بالنهار. قال وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها، وتعقب بأن في حديث شعبة المذكور " فخشوا على عينها " وفي رواية ابن منده المقدم ذكرها " رمدت رمدا شديدا وقد خشيت على بصرها " وفي رواية الطبراني أنها قالت في المرة الثانية " إنها تشتكي عينها فوق ما يظن، فقال لا " وفي رواية القاسم بن أصبغ أخرجها ابن حزم " إني أخشى أن تنفقئ عينها، قال لا وإن انفقأت " وسنده صحيح، وبمثل ذلك أفتت أسماء بنت عميس أخرجه ابن أبي شيبة، وبهذا قال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقا، وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه، وبه قال الشافعية مقيدا بالليل، وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ونحوه، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن صفية بنت أبي عبيد أنها أحدت على ابن عمر فلم تكتحل حتى كادت عيناها تزيغان فكانت تقطر فيهما الصبر، ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به لأن محض التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر فيما فيه زينة. وقالت طائفة من العلماء: يجوز ذلك ولو كان فيه طيب، وحملوا النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة. قوله (إنما هي أربعة أشهر وعشرا) كذا في الأصل بالنصب على حكاية لفظ القرآن، ولبعضهم بالرفع وهو واضح، قال ابن دقيق العيد: فيه إشارة إلى تقليل المدة بالنسبة لما كان قبل ذلك وتهوين الصبر عليها ولهذا قال بعده " وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول " وفي التقييد بالجاهلية إشارة إلى أن الحكم في الإسلام صار بخلافة، وهو كذلك بالنسبة لما وصف من الصنيع، لكن التقدير بالحول استمر في الإسلام بنص قوله تعالى قوله (قال حميد) هو ابن نافع راوي الحديث، وهو موصول بالإسناد المبدوء به. قوله (فقلت لزينب) هي بنت أبي سلمة (وما ترمي بالبعرة) ؟ أي بيني لي المراد بهذا الكلام الذي خوطبت به هذه المرأة. قوله (كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا إلخ) هكذا في هذه الرواية لم تسنده زينب، ووقع في رواية شعبة في الباب الذي يليه مرفوعا كله لكنه باختصار ولفظه " فقال لا تكتحل، قد كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها، فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة، فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر " وهذا لا يقتضي إدراج رواية الباب لأن شعبة من أحفظ الناس فلا يقضي على روايته برواية غيره بالاحتمال، ولعل الموقوف ما في رواية الباب من الزيادة التي ليست في رواية شعبة. والحفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة فسره أبو داود في روايته من طريق مالك: البيت الصغير، وعند النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك: الحفش الخص بضم المعجمة بعدها مهملة، وهو أخص من الذي قبله. وقال الشافعي: الحفش البيت الذليل الشعث البناء، وقيل هو شيء من خوص يشبه القفة تجمع فيه المعتدة متاعها من غزل أو نحوه، وظاهر سياق القصة يأبى هذا خصوصا رواية شعبة، وكذا وقع في رواية للنسائي " عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه " ولعل أصل الحفش ما ذكر ثم استعمل في البيت الصغير الحقير على طريق الاستعارة، والأحلاس في رواية شعبة بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون وهو الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة، والمراد أن الراوي شك في أي اللفظين وقع وصف ثيابها أو وصف مكانها، وقد ذكرا معا في رواية الباب. قوله (حتى يمر بها) في رواية الكشميهني " لها". قوله (ثم تؤتي بدابة) بالتنوين (حمار) بالجر والتنوين على البدل، وقوله "أو شاة أو طائر " للتنويع لا للشك، وإطلاق الدابة على ما ذكر هو بطريق الحقيقة اللغوية لا العرفية. قوله (فتفتض) بفاء ثم مثناة ثم ضاد معجمة ثقيلة؛ فسره مالك في آخر الحديث فقال: تمسح به جلدها، وأصل الفض الكسر أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما تفعله بالدابة. ووقع في رواية للنسائي " تقبص " بقاف ثم موحدة ثم مهملة خفيفة، وهي رواية الشافعي، والقبص الأخذ بأطراف الأنامل، قال الأصبهاني وابن الأثير: هو كناية عن الإسراع، أي تذهب بعدو وسرعة إلى منزل أبويها لكثرة حيائها لقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به. والباء في قولها " به " سببية، والضبط الأول أشهر. قال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تزيل شعرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعدما تفتض به. قلت: وهذا لا يخالف تفسير مالك، لكنه أخص منه، لأنه أطلق الجلد وتبين أن المراد به جلد القبل. وقالت ابن وهب: معناه أنها تمسح بيدها على الدابة وعلى ظهره، وقيل المراد تمسح به ثم تفتض أي تغتسل، والافتضاض الاغتسال بالماء العذب لإزالة الوسخ وإرادة النقاء حتى تصير بيضاء نقية كالفضة، ومن ثم قال الأخفش: معناه تتنظف فتنتقي من الوسخ فتشبه الفضة في نقائها وبياضها، والغرض بذلك الإشارة إلى إهلاك ما هي فيه، ومن الرمي الانفصال منه بالكلية. (تنبيه) . جوز الكرماني أن تكون الباء في قوله " فتفتض به " للتعدية أو تكون زائدة أي تفتض الطائر بأن تكسر بعض أعضائه انتهى. ويرده ما تقدم من تفسير الافتضاض صريحا. قوله (ثم تخرج فتعطي بعرة) بفتح الموحدة وسكون المهملة ويجوز فتحها. قوله (فترمي بها) في رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك " ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل فترمي بها أمامها فيكون ذلك أحلالا لها " وفي رواية ابن وهب " فترمي ببعرة من بعر الغنم من وراء ظهرها " ووقع في رواية شعبة الآتية " فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة " وظاهره أن رميها البعرة يتوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر، وبه جزم بعض الشراح. وقيل ترمي بها من عرض من كلب أو غيره ترى من حضرها أن مقامها حولا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبا أو غيره. وقال عياض. يمكن الجمع بأن الكلب إذا مر افتضت به ثم رمت البعرة. قلت: ولا يخفى بعده، والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا، فإنه لا منافاة بين الروايتين حتى يحتاج إلى الجمع. واختلف في المراد برمي البعرة فقيل: هو إشارة إلى أنها رمت العدة رمي البعرة، وقيل إشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لما انقضى كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارا له وتعظيما لحق زوجها، وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل بعدم عودها إلى مثل ذلك الشرح: قوله (باب الكحل للحادة) كذا وقع من الثلاثي، ولو كان من الرباعي لقال المحدة. قال ابن التين: الصواب الحاد بلا هاء لأنه نعت للمؤنث كطالق وحائض. قلت: لكنه جائز فليس بخطأ وإن كان الآخر أرجح. ذكر فيه حديث أم سلمة الماضي في الباب قبله، وكذا حديث أم حبيبة، أوردهما من طريق شعبة باختصار، وقد تقدم ما فيه قبل. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَخَشُوا عَلَى عَيْنَيْهَا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ فَقَالَ لَا تَكَحَّلْ قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ فَلَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَسَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا الشرح: حديث أم سلمة الماضي في الباب قبله، وكذا حديث أم حبيبة، أوردهما من طريق شعبة باختصار، وقد تقدم ما فيه قبل. وقوله "لا تكتحل " في رواية المستملي بلا تاء بين الكاف والحاء. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَّا بِزَوْجٍ الشرح: أورد حديث أم عطية مختصرا، وفي الباب الذي يليه مطولا، وقوله "إلا بزوج " في رواية الكشميهني " إلا على زوج" *3* الشرح: قوله (باب القسط للحادة عند الطهر) أي عند طهرها من المحيض إذا كانت ممن تحيض. الحديث: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا نَكْتَحِلَ وَلَا نَطَّيَّبَ وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ الشرح: قوله (كنا ننهى) بضم أوله، وقد صرح برفعه في الباب الذي بعده. قوله (ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب) بمهملتين مفتوحة ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالإضافة وهي برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبا فيخرج موشى لبقاء ما عصب به أبيض لم ينصبغ، وإنما يعصب السدي دون اللحمة. وقال صاحب " المنتهى " العصب هو المفتول من برود اليمن. وذكر أبو موسى المدني في " ذيل الغريب " عن بعض أهل اليمن أنه من دابة بحرية تسمى فرس فرعون يتخذ منها الخرز وغيره ويكون أبيض، وهذا غريب، وأغرب منه قول السهيلي: إنه نبات لا ينبت إلا باليمن وعزاه لأبي حنيفة الدينوري، وأغرب منه قول الداودي: المراد بالثوب العصب الخضرة وهي الحبرة، وليس له سلف في أن العصب الأخضر، قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة، إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن، وكره عروة العصب أيضا، وكره مالك غليظه. قال النووي: الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا، وهذا الحديث حجة لمن أجازه. وقال ابن دقيق العيد: يؤخذ من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغ وهي الثياب البيض، ومنع بعض المالكية المرتفع منها الذي يتزين به، وكذلك الأسود إذا كان مما يتزين به، قال النووي: ورخص أصحابنا فيما لا يتزين به ولو كان مصبوغا. واختلف في الحرير فالأصح عند الشافعية منعه مطلقا مصبوغا أو غير مصبوغ، لأنه أبيح للنساء للتزين به والحادة ممنوعة من التزين فكان في حقها كالرجال، وفي التحلي بالذهب والفضة وباللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه، وفيه نظر من جهة المعنى في المقصود بلبسه، وفي المقصود بالإحداد، فإنه عند تأملها يترجح المنع والله أعلم. قوله (وقد رخص لنا) بضم أوله أيضا وقد صرح برفعه في الباب الذي بعده. قوله (عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها) في رواية الكشميهني " حيضها " وفي الذي بعده " ولا تمس طيبا إلا أدنى طهرها إذا طهرت". قوله (في نبذة) بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة أي قطعة، وتطلق على الشيء اليسير. قوله (من كست أظفار) كذا فيه بالكاف وبالإضافة، وفي الذي بعده " من قسط وأظفار " بقاف وواو عاطفة وهو أوجه، وخطأ عياض الأول، وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض. وقال بعده " قال أبو عبد الله " وهو البخاري " القسط والكست مثل الكافور والقافور " أي يجوز في كل منهما الكاف والقاف وزاد القسط أنه يقال بالتاء المثناة بدل الطاء، فأراد المثلية في الحرب الأول فقط. قال النووي: القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب، رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب. قلت: المقصود من التطيب بهما أن يخلطا في أجزاء أخر من غيرهما ثم تسحق فتصير طيبا، والمقصود بهما هنا كما قال الشيخ أن تتبع بهما أثر الدم لإزالة الرائحة لا للتطيب، وزعم الداودي أن المراد أنها تسحق القسط وتلقيه في الماء آخر غسلها لتذهب رائحة الحيض، ورده عياض بأن ظاهر الحديث يأباه، وأنه لا يحصل منه رائحة طيبة إلا من التبخر به، كذا قال وفيه نظر، واستدل به على جواز استعمال ما فيه منفعة لها من جنس ما منعت منه إذا لم يكن للتزين أو التطيب كالتدهن بالزيت في شعر الرأس أو غيره. *3* الشرح: قوله (باب تلبس الحادة ثياب العصب) ذكر فيه حديث أم عطية مصرحا برفعه، وزاد في أوله " لا يحل لامرأة " الحديث مثل حديث أم حبيبة الماضي قبله. الحديث: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَطِيَّةَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَمَسَّ طِيبًا إِلَّا أَدْنَى طُهْرِهَا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْقُسْطُ وَالْكُسْتُ مِثْلُ الْكَافُورِ وَالْقَافُورِ الشرح: حديث أم عطية مصرحا برفعه، وزاد في أوله " لا يحل لامرأة " الحديث مثل حديث أم حبيبة الماضي قبله، وزاد بعد قوله إلا على زوج " فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب " وقد تقدم شرحه في الذي قبله، ووقع فيه " فوق ثلاث " وتقدم في حديث أم حبيبة في الطريق الأولى " ثلاث ليال " وفي الطريق الثانية " ثلاثة أيام " وجمع بإرادة الليالي بأيامها، ويحمل المطلق هنا على المقيد الأول ولذلك أنث، وهو محمول أيضا على أن المراد ثلاث ليال بأيامها، وذهب الأوزاعي إلى أنها تحد ثلاث ليال فقط، فإن مات في أول الليل أقلعت في أول اليوم الثالث وإن مات في أثناء الليل أو في أول النهار أو في أثنائه لم تقلع إلا في صبيحة اليوم الرابع، ولا تلفيق. قوله (وقال الأنصاري) هو محمد بن عبد الله بن المثنى شيخ البخاري، وقد أخرج عنه الكثير بواسطة وبلا واسطة، وهشام هو الدستوائي المذكور في الذي قبله. قوله (نهى النبي صلى الله عليه وسلم ولا تمس طيبا) كذا أورده مختصرا، وهو في الأصل مثل الحديث الذي قبله، وقد وصله البيهقي من الطريق أبي حاتم الرازي عن الأنصاري بلفظ. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تحد المرأة فوق ثلاثة أيام، إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا". قوله (إلا أدنى طهرها) أي عند قرب طهرها أو أقل طهرها، وقد تقدم شرحه قبل. ثم ذكر المصنف حديث أم حبيبة من طريق سفيان وهو الثوري عن عبد الله بن أبي بكر وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم شيخ مالك فيه، وقد مضى شرحه أيضا *3* الشرح: قوله (باب والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا - إلى قوله - خبير) كذا لأبي ذر والأكثر، وساق في رواية كريمة الآية بكمالها. الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا قَالَ كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ قَالَ جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ إِخْرَاجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَاءَتْ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ قَالَ عَطَاءٌ ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَا سُكْنَى لَهَا الشرح: قوله (حدثني إسحاق بن منصور) تقدم في تفسير البقرة هذا الحديث بهذا السند، وبينت هناك ما قيل فيه من تعليق وغيره، ووقع هناك " إسحاق " غير منسوب وفسر بابن راهويه، وقد ظهر من هذه الطريق أنه ابن منصور، ولعله كان عنده عنهما جميعا. وقوله "كانت هذه العدة، تعتد عند أهل زوجها واجبا " كذا لأبي ذر عن الكشميهني، وذكر " واجبا " إما لأنه صفة محذوف أي أمرا واجبا، أو ضمن العدة معنى الاعتداد. وفي رواية كريمة " واجب " على أنه خبر مبتدأ محذوف، قال ابن بطال: ذهب مجاهد إلى أن الآية وهي قوله تعالى قال: وهو قول لم يقله أحد من المفسرين غيره ولا تابعه عليها من الفقهاء أحد، وأطبقوا على أن آية الحول منسوخة وأن السكنى تبع للعدة، فلما نسخ الحول في العدة بالأربعة أشهر وعشر نسخت السكنى أيضا. وقال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء أن العدة بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر، وإنما اختلفوا في قوله (غير إخراج) فالجمهور على أنه نسخ أيضا، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكر حديث الباب قال: ولم يتابع على ذلك، ولا قال أحد من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين به في مدة العدة، بل روى ابن جريج عن مجاهد في قدرها مثل ما عليه الناس، فارتفع الخلاف واختص ما نقل عن مجاهد وغيره بمدة السكنى، على أنه أيضا شاذ لا يعول عليه. والله أعلم *3* وَقَالَ الْحَسَنُ إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَهَا مَا أَخَذَتْ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ لَهَا صَدَاقُهَا الشرح: قوله (باب مهر البغي والنكاح الفاسد) البغي بكسر المعجمة وتشديد التحتانية بوزن فعيل من البغاء وهو الزنا، يستوي في لفظه المذكر والمؤنث. قال الكرماني: وقيل وزنه فعول، لأن أصله بغوي أبدلت الواو ياء ثم كسرت الغين لأجل الياء التي بعدها، والتقدير ومهر من نكحت في النكاح الفاسد، أي بشبهة من إخلال شرط أو نحو ذلك. قوله (وقال الحسن) هو البصري (إذا تزوج محرمة) بتشديد الراء والمستملي بفتح الميم والراء وسكون الحاء بينهما وبالضمير، وبهذا الثاني حزم ابن التين وقال: أي ذا محرمه. قوله (وهو لا يشعر) احتراز عما إذا تعمد، وبهذا القيد ومفهومه يطابق الترجمة. وقال ابن بطال: اختلف العلماء فيها على قولين: فمنهم من قال لها المسمى، ومنهم من قال لها مهر المثل وهم الأكثر. قوله (فرق بينهما) بضم أوله. قوله (وليس لها غيره. ثم قال بعد: لها صداقها) هذا الأثر وصله ابن أبي شيبة عن هشيم عن يونس عن الحسن مثله إلى قوله " وليس لها غيره " ومن طريق مطر الوراق عن الحسن نحوه وقال: لها صداقها، أي صداق مثلها. ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ الشرح: حديث أبي مسعود - وهو عقبة بن عمرو الأنصاري - في النهي عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي، وقوله "عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن " هو ابن الحارث بن هشام، في رواية الحميدي " عن سفيان حدثنا الزهري أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن". وتقدم شرحه في آخر البيوع الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَسْبِ الْبَغِيِّ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ الشرح: حديث أبي جحيفة في لعن الواشمة الحديث، وفيه " ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين " وتقدم شرحه في آخر البيوع الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ الْإِمَاءِ الشرح: حديث أبي هريرة في النهي عن كسب الإماء، قد تقدم شرح الأحاديث الثلاثة في آخر البيوع. قال ابن بطال: قال الجمهور من عقد على محرم وهو عالم بالتحريم وجب عليه الحد للإجماع على تحريم العقد، فلم يكن هناك شبهة يدرأ بها الحد. وعن أبي حنيفة العقد شبهة. واحتج له بما لو وطئ جارية له فيها شركة فإنها محرمة عليه بالاتفاق ولا حد عليه للشبهة. وأجيب بأن حصته من الملك اقتضت حصول الشبهة، بخلاف المحرم له فلا ملك له فيها أصلا فافترقا ومن ثم قال ابن القاسم من المالكية: يجب الحد في وطء الحرة ولا يجب في المملوكة والله أعلم.
|